في عالم السيارات، هناك لحظات لا تتكرر كثيرًا، ولها طابعٌ يشبه استرجاع قطعة من الزمن. حدث من هذا النوع وقع مؤخرًا في منطقة بحيرة كومو الإيطالية، خلال فعالية كونكورسو ديليغانزا فيلا ديستي، عندما جمعت بي إم دبليو خمسة من أيقوناتها الكلاسيكية: بي إم دبليو 328 موديل 1940، التي صنعت التاريخ في سباق ميلي ميليا الشهير. ولأول مرة منذ ما يقرب من 85 عامًا، اجتمعت هذه السيارات الأسطورية تحت سقف واحد.
حكاية ميلي ميليا 1940: السباق الأصعب في زمنه
في ربيع عام 1940، كانت سمعة سباق ميلي ميليا قد بدأت تستعيد بريقها بعد توقفه المؤقت بسبب الحوادث المتكررة. لكن هذه النسخة كانت مختلفة بكل المقاييس: تم الاستغناء عن المسار التقليدي لصالح دورة مثلثة جديدة بطول 167 كلم تربط بين بريشيا، كريمونا ومانتوفا. وكان على السائقين إتمام 9 لفات من هذا المسار، مما أتاح للجمهور مشاهدة السيارات تمر لأول مرة مرات عديدة.
وسط هذا الحماس، جاءت مشاركة بي إم دبليو من ألمانيا بخطة دقيقة وهدف واضح: الهيمنة على السباق.
—
التحضيرات خلف الكواليس: عندما يُرسم النصر على الورق أولاً
قائد فريق السباقات لدى بي إم دبليو، إرنست لووف، لم يترك شيئًا للصدفة. سافر مع فريقه من السائقين إلى إيطاليا قبل السباق بفترة طويلة. معهم سيارتان من طراز كوبيه وواحدة رودستر، لدراسة الطريق ووضع خطة سباق دقيقة.
قام الفريق ببناء ورشة مؤقتة في بلدة كاستيليون، على بعد 25 كلم من بريشيا. هذه النقطة لم تكن فقط للتزود بالوقود، بل مركزًا رئيسيًا لنقل التعليمات للسائقين خلال السباق المجهد.
خمسة أبطال فضيين وسط بحر من الحمر الإيطالية
في تلك النسخة، ضم السباق حوالي 70 سيارة إيطالية، معظمها من فيات ولانسيا وألفا روميو، إلى جانب ظهور أول لسيارة إنزو فيراري “أوتو أفيو كوستروزيوني 815”. ووسط هذا البحر الأحمر اللامع، برزت خمس سيارات بي إم دبليو 328 مطلية بالفضي.
- ثلاث سيارات رودستر بأرقام: 71، 72، 74، قادها سائقون وملاحون أصحاب خبرة عالية
- وتوجيهات واضحة: لا تضغطوا على السيارة، احموا الميكانيكا، ودعوا الكوبيه تتنافس على المركز الأول
لكن القلب النابض لهذه الحكاية كان في سيارتي الكوبيه:
- تورينج كوبيه الأنيقة
- كـام كوبيه النموذجية المصنعية
لحظة المجد: فوز ساحق يُخرس الجماهير
دخل الكوبيه الحقيقي السباق بعين على القمة. كان هناك إحساس أن الطريق لا يزال مفتوحًا أمام الطموح الألماني، رغم تفوق الأسماء الإيطالية المحلية في السباق.
ومع انسحاب الكام كوبيه قرب نهاية الحدث، التفتت الأنظار كلها إلى السائق “فون هانشتاين” ومساعده “بويما” على متن التورينج كوبيه رقم 70. وبسرعة مذهلة بلغت متوسطها 174 كلم/س – الأسرع في تاريخ سباقات تلك الفئة آنذاك – حسموا السباق لصالحهم.
لكن الفوز لم يكن بفارق ضئيل… بل بفارق 15 دقيقة كاملة! الجماهير الإيطالية، التي كانت تنتظر فوزًا عاطفيًا بلون إيطاليا الأحمر، وقفت مصدومة لما شاهدته.
بي إم دبليو 328: أسطورة خالدة عبر الزمن
رغم أن حلم بي إم دبليو بحصد المراكز الخمسة الأولى لم يتحقق بالكامل، فإن النتيجة كانت هائلة:
- المركز الأول
- المركز الثالث
- المركز الخامس
- المركز السادس
والسيارة الوحيدة التي انسحبت كانت الكام كوبيه.
المعنى أعمق من مجرد ترتيب: إنه درسٌ في التخطيط والهندسة والشغف. هذه اللحظة صارت جزءًا لا يُنسى من تاريخ بي إم دبليو للسباقات، وتجددت في فعالية “فيلا ديستي” هذا العام حيث عادت السيارات الخمسة لترينا لماذا تُعتبر بي إم دبليو 328 واحدة من أعظم سيارات السباق في تاريخ الشركة.
328 بي إم دبليو: أيقونة لا يبهت بريقها
مرّت عقود، تغيّرت الطرق، وتطورت السيارات. لكن هذه الخماسية من بي إم دبليو 328 لا تزال تخطف الأنفاس كما كانت في 1940. تصميم كلاسيكي، روح تنافسية، وماضٍ يكتب فصوله من جديد.
في النهاية، السباقات قد تنتهي، لكن الأساطير لا تموت.