عشاق الفورمولا 1، يبدو أن الرياح بدأت تهب باتجاه جديد هذا الموسم — ليس من جهة السرعة فقط، بل من جهة اللوائح الفنية الصارمة التي بدأت تُفرض تدريجياً على الفرق.
ابتداءً من سباق جائزة إسبانيا الكبرى، أعلنت الاتحاد الدولي للسيارات FIA عن تطبيق اختبارات تحميل أكثر صرامة على الأجنحة الأمامية لسيارات الفورمولا 1. فما القصة وراء هذا القرار؟ ولماذا حالياً؟ وكيف ستُجرى هذه الاختبارات؟ إليك التفاصيل بلغة تحاكي حماس السيارات وفضول الميكانيكا.
ما الذي تغيّر في جائزة إسبانيا الكبرى؟
الـ FIA قرر أن يشدّد اختباراته المتعلقة بمرونة الأجنحة الأمامية، بسبب القلق المتزايد من أن بعض الفرق قد تستغل هذه المرونة لتحسين الأداء، خاصة عند السرعات العالية. كيف؟ عن طريق أجنحة تنحني قليلاً تحت الضغط، ما يقلّل مقاومة الهواء أو يغيّر توازن الديناميكيات الهوائية بين السرعات المنخفضة والعالية.
وخلال النصف الأول من موسم 2024، بدأت الشكوك تتزايد بين الفرق، وبدأت المنافسة تشتد. فكان لا مفر من أن يتدخل الاتحاد الدولي ليحسم الأمر.
لماذا لم يتم تطبيق هذه التغييرات منذ بداية الموسم؟
ربما تتساءل: “إذا كانت المشكلة واضحة، فلماذا لم تُفرض من البداية؟”
الإجابة من نيكولاس تومبازيس، مدير قسم السيارات الفردية في FIA، الذي أوضح أن الاتحاد بدأ بالفعل بمراقبة الأجنحة الأمامية عبر تركيب كاميرات عليها خلال سلسلة من السباقات، بدءًا من جائزة بلجيكا الكبرى.
لكن القرار النهائي بالتشديد جاء متأخراً قليلاً، مما جعل من المستحيل تطبيق الاختبارات الجديدة دون أن يتكبّد الفِرق تكاليف ضخمة لإعادة تصميم الأجنحة. لذا قرروا التأجيل ليكون التطبيق عادلاً وعملياً بدءًا من الجولة التاسعة.
تفاصيل التغييرات في لوائح 2025
التعديلات الجديدة في اللوائح ركزت على عنصرين رئيسيين: مرونة الجسم الرئيسي للجناح الأمامي ومرونة زعنفة الجناح الأمامي (Front Wing Flap).
وإليك التغييرات بالأرقام:
أولاً: مرونة الجناح الأمامي (المادة 3.15.4)
- في السابق: عند تحميل 100 كجم بشكل متماثل على جانبي السيارة، يُسمح بانحراف رأسي حتى 15 مم.
- الجديد: أصبح الانحراف المسموح به 10 مم فقط.
- عند تحميل جانب واحد فقط، كان الانحراف المسموح به 20 مم، وأصبح الآن 15 مم.
ثانياً: مرونة زعنفة الجناح الأمامي (المادة 3.15.5)
- في السابق: يُسمح بانحراف يصل إلى 5 مم عند تعرّض الزعنفة لحمل 6 كجم.
- الجديد: تم تخفيض الانحراف المسموح به إلى 3 مم فقط.
هذه الأرقام قد تبدو صغيرة، لكنها تحدث فارقاً كبيراً في عالم الفورمولا 1، حيث كل مليمتر يمكن أن يغيّر أداء السيارة بالكامل.
متى وأين تتم اختبارات FIA؟
الاتحاد لا يترك شيئاً للصدفة. الاختبارات تتم بشكل منتظم على أجزاء معينة من السيارات، وأحياناً على السيارة بالكامل. وهناك نوعان رئيسيان من الاختبارات:
- اختبارات في ظروف “الحديقة المغلقة”: تتم عادةً يوم السبت بعد التصفيات أو صباح الأحد قبل السباق، حيث تُمنع الفرق من تغيير الضبط.
- اختبارات بعد السباق: تُجرى إذا شكّت اللجنة في مخالفة معينة. وتكون هذه اختبارات تحميل ثابتة كما نصّت عليها المادة 3.15.
فكرة هذه الاختبارات هي التأكد من أن الفريق لا يستخدم جزءاً خاصاً مخصصاً للاختبار ثم يغيّر إلى جزء أكثر مرونة أثناء السباق.
لماذا كل هذا الاهتمام الآن؟
أحد الأسباب المهمة هو ما يُعرف بـ “تأثير الـ Mini-DRS”، حيث يُشتبه أن بعض الفرق تستخدم مرونة الجناح الخلفي بذكاء لتقليل قوة السحب عند السرعات العالية، بحيث تشبه تأثير نظام DRS ولكن بشكل قانوني (أو شبه قانوني).
الاتحاد رصد هذا الأمر وبدأ بخفض هامش السماحية في الجناح الخلفي أيضاً:
- في أستراليا: تم قياس فرق الفتحة بين سطح الجناح والجزء القابل للفصل، والمسموح به كان 2 ملم تحت حمل 75 كجم.
- في الصين: تم تقليص الفتحة إلى 0.75 ملم.
- في اليابان: تم تقليصها مجددًا إلى 0.5 ملم.
الخلاصة
ما يحدث في الفورمولا 1 هذه الأيام هو صراع قد لا نراه فقط على المضمار، بل في الغرف الهندسية المغلقة. وقد بات من الواضح أن الأجنحة الأمامية أصبحت محور تركيز كبير في محاولة لضمان عدالة المنافسة وشفافيتها.
سواء كنت ميكانيكي تفهم تأثير مرونة المواد على الضغط الديناميكي، أو متابع شغوف يتابع كل زاوية دقيقة من السباقات — فإن هذا التغيير سيجعلنا نترقب سباق جائزة إسبانيا الكبرى بعين مختلفة.
لأن هناك قصة تحت كل جناح… وربما أسرار، بدأ الاتحاد يكشف عنها.