في عالم التحول السريع نحو السيارات الكهربائية، تدور معارك التقنية الصامتة خلف الكواليس. إحدى هذه المعارك تقودها جنرال موتورز بهدوء ولكن بإصرار، من خلال أبحاثها المتقدمة في مجال بطاريات الحالة الصلبة، وسعيها لتجاوز الحدود الحالية في أداء البطاريات، مدى السيارة، وسرعة الشحن.
لكن ما هو السر وراء هذا التوجه؟ دعونا نأخذكم في جولة داخل قلب الأبحاث والابتكار الذي تقوده جنرال موتورز في مركز “Wallace” في ولاية ميشيغان بأمريكا.
—
بطاريات الحالة الصلبة: الجيل القادم من الطاقة
تُعد بطاريات الحالة الصلبة حلم كل مهندس يعمل في مجال السيارات الكهربائية. على عكس الخلايا التقليدية التي تعتمد على سوائل لنقل الأيونات، تستبدل الخلايا الصلبة عادة هذه السوائل بمادة صلبة – قد تكون من البوليمرات أو الكبريتيدات أو الأكاسيد – مما يعني:
- كثافة طاقة أعلى بنسبة كبيرة
- شحن أسرع
- السلامة من الحرائق أو الانفجار
لكن، كالعادة في التكنولوجيا، الحلم لا يصبح واقعًا بسهولة. تصنيع هذه البطاريات بشكل تجاري لا يزال يشكل تحديًا كبيرًا، لكن جنرال موتورز تؤمن بأنها قريبة من ذلك بفضل تركيزها الشديد على هذه التقنية.
لماذا تُعد هذه البطاريات مهمة؟
لأن البطارية ليست فقط خزانًا للطاقة، بل هي أيضاً ما يحدد:
- مدى السيارة
- سرعة الشحن
- تكلفة السيارة الإجمالية
وحاليًا، تعتبر البطارية في السيارة الكهربائية أغلى مكون فيها – ويزيد ثمن السيارات الكهربائية في المتوسط قرابة 9,600 دولار مقارنة بالمركبات التقليدية التي تعتمد على الوقود.
—
جنرال موتورز تغيّر قواعد اللعبة
خلال السنوات الماضية، اعتمدت معظم شركات السيارات على مورّدي البطاريات الخارجيين. لكن جنرال موتورز غيرت هذا النمط. في عام 2022، افتتحت مركز “Wallace Battery Cell Innovation” شمال ديترويت، لتنطلق في رحلة تبني الأبحاث الداخلية والتطوير الذاتي لخلايا البطاريات.
وعن هذا التوجه قال “كوشال ناراياناسوامي”، مدير هندسة خلايا البطاريات المتقدمة لدى جنرال موتورز:
“نحن نبحث بنشاط في تقنيات بطاريات الحالة الصلبة – سواء كانت من نوع الكبريتيد، أو الأكسيد، أو السيراميك، ونحن نملك البنية التحتية اللازمة للاختبارات والتطوير الداخلي”.
هنا لم تتوقف الرحلة. شركة LG Energy Solution أصبحت الشريك الرئيسي لجنرال موتورز، وساهمت في جعل تحالفهما أكبر مُنتِج لبطاريات السيارات في أمريكا الشمالية – متفوقة حتى على تسلا.
—
تجارب على سبع تركيبات كيميائية
في طليعة الابتكار، تعمل جنرال موتورز الآن على سبعة تركيبات مختلفة من الأنود والكاثود، والتي تشمل:
- أنودات قائمة على السيليكون
- أنظمة نيكل تقليدية مطورة
- بطاريات غنية بالمنجنيز (Lithium Manganese Rich – LMR)
- بطاريات الحالة الصلبة
- بطاريات الصوديوم أيون
هذا التنوع ليس لمجرد التنوع، بل لتخصيص كل نوع بحسب نوع السيارة واستخداماتها – من السيارات الصغيرة وحتى الشاحنات الكهربائية.
—
ماذا عن بطاريات الصوديوم أيون؟
تجذب بطاريات الصوديوم أيون الكثير من الاهتمام في أوساط السيارات الكهربائية الاقتصادية، خصوصًا أنها:
- أرخص بكثير من بطاريات الليثيوم أيون
- لا تعتمد على المعادن النادرة
- أداء جيد في درجات الحرارة المنخفضة
الصوديوم متوفر بكثرة – فهو أكثر وفرة من الليثيوم بـ400 مرة، ويتوفر في مياه البحار والمحيطات. وقد بدأت الصين بالفعل أول تطبيق إنتاجي لهذه البطاريات في سيارة “ جاك Yiwei 3” الكهربائية.
لكن، رغم المزايا، ما زالت بطاريات الصوديوم أيون تقدم كثافة طاقة أقل، مما يجعلها مناسبة أكثر للمسافات القصيرة أو الدراجات الكهربائية.
—
أنودات السيليكون: سر زيادة المدى والأداء
جزء آخر من خطة مستقبلية لجنرال موتورز هو استبدال الأنودات التقليدية (التي تتكون غالبًا من الجرافيت) بمواد تحتوي نسبة أعلى من السيليكون. السبب؟ السيليكون قادر على تخزين كمية أكبر من الأيونات، مما يعني:
- مدى أطول للسيارة
- شحن أسرع
وبالفعل، يخضع الآن عدد من الخلايا المزودة بأنودات مصنوعة من السيليكون للاختبار في مركز “Wallace” باستخدام خلايا ذات حجم صناعي مخصص للمركبات.
—
ما الذي سنراه على أرض الواقع؟
أول نتيجة فعلية لهذه الأبحاث ستظهر في عام 2028، من خلال شاحنة تستخدم خلايا LMR الجديدة – مع مدى يتجاوز 644 كم، ووزن خفيف نسبيًا، وتكلفة قريبة من بطاريات LFP التي تُستعمل حاليًا.
أما بقية التقنيات — كـ بطاريات الحالة الصلبة و الصوديوم أيون — قد يحتاج الأمر إلى وقت أطول لاختبارها بشكل آمن وجعلها مناسبة للإنتاج التجاري.
ومع أن التوجهات السياسية المستقبلية في الولايات المتحدة قد تؤثر على صناعة الطاقة النظيفة، إلا أن جنرال موتورز لا تنوي التراجع.
كما قال ناراياناسوامي:
“نحن نواصل أبحاثنا وتطويرنا بغض النظر عن ما يحدث سياسيًا… فنحن نُخطط للمستقبل بعيون تقنية لا سياسية”.
—
الخلاصة
في سباق السيارات الكهربائية، تسعى شركات عديدة لتقديم مركبات أفضل، وأرخص، وأكثر كفاءة. لكن جنرال موتورز لا تكتفي بالمشاركة – بل تعمل على تغيير قواعد اللعبة من خلال مبادرات داخلية في مجال بطاريات الحالة الصلبة، وبطاريات الصوديوم، والتراكيب الكيميائية المبتكرة.
الطريق لا يزال طويلاً، لكن البوصلة واضحة: الأداء، الأمان، والتكلفة المعقولة. فهل تكون بطاريات الحالة الصلبة هي مفتاح الثورة الكهربائية القادمة؟ الأيام كفيلة بالإجابة.
—