في الوقت الذي تتسارع فيه شركات السيارات الذكية لتثبيت وجودها في سوق السيارات الكهربائية، ظهر موقف لافت من مؤسس شاومي، لي جون. هذا الرجل، الذي عُرف ببصمته في عالم الأجهزة الذكية، بدأ مؤخرًا يخوض بقوة في عالم السيارات الكهربائية، لكنه لا يُخفي إعجابه العميق بما حققته تيسلا، لا سيما في مجال القيادة الذاتية.
في منشور له عبر منصة Weibo الصينية، أعاد لي جون نشر فيديو استعراضي مثير لشركة تيسلا، تحدث فيه نائب رئيس الشركة “تاو لين” عن إنجاز ثوري: أول سيارة موديل Y تقوم بعملية توصيل ذاتي بالكامل إلى منزل الزبون، دون سائق، دون تحكم عن بُعد، وبسرعة وصلت إلى 115 كم/س.
وعقب الحدث، قال لي جون:
“تيسلا مذهلة بحق. لقد سبقت زمنها في كثير من التقنيات، خاصة في القيادة الذاتية الكاملة (FSD). وما زال أمامنا كثير لنتعلمه منها.”
هذا الإطراء لم يكن مجرد مجاملة أو صدفة، بل يعكس توجّهًا عميقًا لدى شاومي لفهم التعامل مع المنافسين وتعزيز الحوار التقني المفتوح — حتى لو كان مع أكبر منافسيها.
—
القيادة الذاتية تدخل مرحلة جديدة تمامًا
منذ أن قاد موديل Y مسافة 24 كيلومترًا ذاتيًا من مصنع تيسلا في أوستن الأمريكية إلى منزل عميل، بدأت الصحافة تتحدث عن بداية “العصر الكامل للقيادة الذاتية”.
أطلق إيلون ماسك على هذا الحدث بـ “أول عملية تسليم آلية كاملة في التاريخ”، مما شكل لحظة فاصلة في تطور السيارات الذكية.
ولمحبّي السيارات في العالم العربي، ربما يتساءلون:
هل نحن قريبون من رؤية مثل هذه التقنيات فعليًا في شوارعنا؟
ببساطة، تختلف التشريعات والبنية التحتية. لكن من المؤكد أن المنافسة الصينية – وعلى رأسها شاومي – تسير بخطى متسارعة نحو تعميم أنظمة القيادة الذاتية.
—
بين المنافسة الحادة والمجاملة الذكية: حكاية الـ”Frenemies”
في الصين، من الشائع جدًا أن يقوم رؤساء شركات السيارات بمزاح علني أو تبادل النصح عبر وسائل التواصل — الظاهرة تُعرف بـ “Frenemies”، أي العداوة الودية بين الأصدقاء المتنافسين.
يعيدنا هذا إلى ما حصل بين ويليام لي (رئيس Nio) و”هي شياو بينغ” (مؤسس Xpeng) العام الماضي، حيث تبادلا المزاح والسخرية اللطيفة خلال اختبار بطارية جديدة بمدى 1000 كم على Nio ET7. آنذاك، دعاه شياو بينغ لاحتساء “كوب قهوة كبير” لطول الرحلة!
أما لي جون، فقد صعّد اللعبة لمستوى آخر. فهو لا يكتفي بالإطراء، بل يدعو منافسيه لحضور إطلاق سياراته الجديدة، ويبارك لهم بمناسباتهم، كما فعل مع شركة Great Wall Motor في عيدها الـ35، وLi Auto في عيدها العاشر.
—
هل تقترب شاومي من منافسة تيسلا فعلًا؟
ربما لا يزال الطريق طويلاً، لكن لا يمكن تجاهل إنجازات الشركة. فقد طرحت شاومي مؤخرًا سيارتها الكهربائية الجديدة Xiaomi YU7، والتي تُعد منافسًا مباشرًا لموديل Y من تيسلا. في غضون ساعة فقط من الإطلاق في بكين (يونيو 2024)، وصلت الطلبات إلى 289,000 طلب، منها 240,000 تمت بتأمين عربون غير قابل للاسترداد خلال أول 18 ساعة فقط!
لكن ماذا عن القيادة الذاتية؟ شاومي طورت نظامها المسمى Xiaomi Assisted Driving Pro، ويُعرف اختصارًا بـ HAD. هذا النظام يعتمد على وحدة Nvidia Drive AGX Thor القوية، بقدرة 700 تريليون عملية في الثانية.
ومع ذلك، أشارت بعض التجارب الصحفية إلى أن أداء النظام “تحفظي إلى حد ما”، إذ يفضل خيار الأمان على المغامرة، بخلاف نظام تيسلا FSD الذي يتمتع بقرارات أكثر جرأة.
لكنّ ميزة مهمة تُحسب لسيارات شاومي، هي أن نظام القيادة الذاتية يأتي قياسيًا في جميع الطرازات — وهي نقطة تفوق على تيسلا، التي لا توفر FSD لجميع العملاء إلا برسوم مستقلة.
—
السيارات الكهربائية في الصين تتحدّى النموذج الأمريكي
رغم أن تيسلا ما زالت تحقق مبيعات كبيرة في الصين، خاصة بموديل Y، فإن السوق يزداد تنافسًا. ففي عام 2024 فقط، باعت تيسلا أكثر من 480,000 وحدة من موديل Y في الصين، أي ما يعادل 74.6% من مبيعاتها هناك.
لكن من يناير إلى مايو 2025، تراجعت المبيعات بنسبة 24% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ذلك التراجع قد يعكس ضغط المنافسة علي الشركات المصنعة الصينية
—
خلاصة: شاومي تتعلم بسرعة وبتواضع
في عالم تتقاطع فيه التكنولوجيا مع السرعة، وتلتقي فيه البرمجة مع محركات الدفع، يبدو أن شاومي تدرك أن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في تصنيع سيارة، بل في صناعة أيقونة مستقبلية يمكنها أن تسير وحدها… وتتعلّم وحدها أيضًا.
إشادة لي جون بـتيسلا ليست مجرد كلمات، بل رسالة غير مباشرة تفيد أن السباق لم ينتهِ بعد — بل بدأ لتوّه.