في عالم السيارات الكلاسيكية، هناك لحظات تُدخلنا في سحر الماضي وتُعيدنا إلى العصر الذهبي للهندسة والأناقة، وهذا بالضبط ما حدث عندما تُوّجت سيارة Hispano-Suiza H6C توليبوود توربيدو موديل 1924 بلقب “أفضل سيارة في عرض بيبل بيتش كونكور ديليغانس 2025”، الحدث الأرقى عالمياً لعشاق السيارات التاريخية والفاخرة.
لكن ما سر هذه السيارة؟ ولماذا أبهرت الجميع وأزاحت المنافسين عن عرش الجمال والتاريخ؟
قصة توليبوود توربيدو: حين يجتمع الطيران بالسيارات
لكي نفهم سحر Hispano-Suiza H6C توليبوود توربيدو، لا بد أن نعود إلى بداياتها. فهذه السيارة لم تكن مجرد وسيلة تنقل، بل كانت مشروعاً خاصاً من رجل استثنائي: أندريه دوبونيه طيار، رياضي أولمبي، ووريث شركة مشروبات شهيرة.
في عام 1924، كلّف دوبونيه شركة الطائرات الفرنسية Nieuport-Astra ببناء سيارة فريدة له، باستخدام شاسيه سبورت نادر منخفض الارتفاع، ومُزوّدة بمحرك سداسي مستقيم سعة 8.0 لتر.
ولكن ما جعل السيارة تتميز فعلاً هو الهيكل الخارجي المصنوع من شرائح الماهوجني الرقيقة وغالباً ما كان يُشار إليها بالخطأ باسم “توليبوود”. هذا الهيكل لا يتجاوز وزنه الـ 73 كجم تقريباً وتم تثبيته باستخدام مسامير طيران فوق إطار خفيف الوزن لينتج واحدة من أخف السيارات حجماً وأكثرها انسيابية في وقتها.
دخول حلبة السباق… بسيارة خشبية!
قد يبدو الأمر جنوناً، لكن دوبونيه لم يصنع هذه السيارة للعرض فقط. في عام 1924، شارك بها في رالي تارجا فلوريو الصعب في صقلية، وأنهى السباق في المركز السادس. لم يتوقف عند ذلك، بل شارك بها أيضاً في كوبا فلوريو وحقق المركز الخامس رغم مشاكل الإطارات.
تخيلوا! أكبر سيارة في الميدان آنذاك، بهيكل خشبي، تتمكن من مقارعة السيارات الأصغر والأسرع على طرق وعرة وجبلية!
رحلة نادرة بين الملوك وجامعي السيارات
بعد مغامرات السباقات، تم تعديل السيارة لتكون صالحة للطُرق العامة، مع إضافة الرفارف، والمصابيح، والأبواب. وتناوب على امتلاكها عدد من الأثرياء والشخصيات البارزة، مثل ألكسندر كيلير وريث مربى البرتقال الاسكتلندي، وجيرالد ألبرتيني وريث شركة “ستاندار أويل”.
ولحسن الحظ، نجت السيارة من ويلات الحرب العالمية الثانية بعد تخزينها، واحتفظت بحالتها الأصلية تقريباً. ولسنوات طويلة بقيت في مجموعات خاصة إلى أن ظهرت للعلن مؤخراً لتبهر الجيل الجديد من عشّاق السيارات.
وفي عام 2022، خُصص لها مركز الاهتمام في مزاد RM Sotheby’s في مونتيري، وبيعت مقابل 9.245 مليون دولار!
العودة إلى القمة في بيبل بيتش 2025
في منافسة شهدت مشاركة 229 سيارة من 22 دولة، استطاعت توليبوود توربيدو أن تخطف الأضواء من الجميع وتُتوّج بلقب أفضل سيارة عرض. وقد علّقت رئيسة لجنة التحكيم “ساندرا بوتون” بقولها:
“هذه السيارة تجمع كل عناصر التميّز: قاعدة تقنية متقدمة، هيكل يدوي مذهل، تاريخ سباقات بطولي، وطلب خاص من شخصية فريدة!”
وبهذا الفوز، تعزّز مكانة Hispano-Suiza ضمن نخبة المصنعين الذين حازوا هذا اللقب المرموق، مثل مرسيدس-بنز وبوغاتي. وهذه هي المرة الثالثة في تاريخ الحدث التي تفوز فيها سيارة من هذه العلامة – والأولى منذ عام 1989.
لماذا تُعد توليبوود توربيدو رمزاً في تاريخ السيارات؟
سيارة توليبوود توربيدو ليست مجرد قطعة فنية ذات هيكل خشبي لامع. إنها تمثل مرحلة انتقالية حاسمة في عالم تصميم السيارات، تجمع بين:
- هندسة متقدمة لوقتها عبر قاعدة Hispano Suiza من الفئة H6C
- ابتكار في التصميم من خلال الهيكل الانسيابي الخفيف المصنوع بتقنية الطائرات
- تاريخ سباقات نادر في أشهر الراليات الأوروبية
- مسيرة ملكية بين جامعي السيارات وقصور أوروبا وأمريكا
قد يتساءل البعض: هل سيارة مثل هذه يمكن تصنيفها كتحفة فنية؟ في الواقع، هي أكثر من ذلك بكثير إنها قطعة من التاريخ، تُجسِّد حكاية رجال الطيران والمغامرين في عصر كان كل شيء فيه ممكناً.
خاتمة
بين روعة الخشب، وهدير الثمان ليترات، وحكاية منافسة في أخطر سباقات الطرق، تُخلَّد توليبوود توربيدو كواحدة من أجمل وأغرب ما شهد عالم السيارات.
وها هي في 2025، بعد أكثر من قرن على ولادتها، تعود لتتربّع على عرش الجمال في بيبل بيتش… وتُثبت أن بعض الأساطير لا تذبل أبداً.





