في عالم محركات السيارات، دائماً ما تتشابك القوة والكفاءة والابتكار. واليوم، نروي حكاية تكنولوجيا تحمل وعداً كبيراً لمستقبل محركات الاحتراق الداخلي والهجينة على حد سواء: التيربو الكهربائي.
لعلك تسأل: ما الفرق بين التيربو التقليدي والتيربو الكهربائي؟ وما الذي يجعل التيربو الكهربائي يتصدّر الحديث في أروقة شركات سيارات عريقة مثل مرسيدس و بورشه وحتى فيراري؟
هيا نخوض معاً في هذه القصة التقنية، لكن بأسلوب بسيط وسلس.
—
فهم الأساس: لماذا نحتاج التيربو أصلاً؟
محركات الاحتراق الداخلي تفقد نسبة ضخمة من طاقتها في صورة حرارة مهدورة. نحن نتحدث عن كفاءة حرارية لا تتجاوز غالباً 30–40%. المحرك يعمل بوقود غني بالطاقة، لكن جزءاً بسيطاً فقط يتحول إلى حركة. أما الباقي؟ حرارة تذوب في الهواء.
هنا يظهر دور الشاحن التوربيني. التيربو التقليدي يستغل غازات العادم الساخنة ويحوّل جزءاً منها إلى ضغط إضافي يدخل إلى المحرك، ليحصل على قوة أعلى دون حاجة لحرق مزيد من الوقود.
ولكن، للتيربو التقليدي عيوب واضحة:
– تأخر التيربو (Turbo Lag): وهو التأخير في استجابة الضغط إلى حين وصول غازات العادم الكافية.
– التحكّم المحدود في ضغط الهواء الداخل.
– ضياع جزء من الطاقة من خلال صمامات تصريف (wastegates).
وهنا تحديداً يدخل نجم قصتنا: التيربو الكهربائي.
—
ما هو التيربو الكهربائي؟
فكر في التيربو الكهربائي مثل نسخة مطورة من الشاحن التوربيني التقليدي. بدل أن ينتظر تدفق العادم ليدور، يوجد محرك كهربائي صغير موضوع على المحور الذي يربط التوربين مع الضاغط. هذه الإضافة الصغيرة تحدث فرقاً كبيراً.
مزايا التيربو الكهربائي:
- إزالة تأخر التيربو: لأن المحرك الكهربائي يمكنه تسريع الضاغط مباشرة قبل وصول غاز العادم.
- رفع ضغط التيربو بسرعة أكبر: هذا يعني تسارع أقوى واستجابة فورية تقريباً.
- إنتاج طاقة كهربائية عند الكبح: يمكن للمحرك الكهربائي أن يعمل بالعكس، ويولّد طاقة عند تقليل سرعة التيربو (تماماً مثل نظام كبح الطاقة في السيارات الهجينة).
والأجمل؟ بعض المحركات المصممة بذكاء يمكنها الاستفادة من هذه الطاقة الناتجة لتشغيل التيربو نفسه لاحقاً، مما يعني أن النظام قد يكون محايداً من حيث الطاقة.
—
تجارب رائدة: من الحلبة إلى الطريق
أول من طبّق التيربو الكهربائي بجدية كان عالم الفورمولا 1. منذ عام 2017، تمكن محرك مرسيدس- AMG V6 بشاحن كهربائي في الفورمولا 1 من تجاوز 50% كفاءة حرارية. رقم مذهل، يعتبر طفرة هندسية، كونه يحوّل أكثر من نصف طاقة الوقود إلى طاقة حركية فعلية، في حين تضيع البقية في العادة عبر الحرارة.
بعد ذلك، بدأت مرسيدس باستخدام التيربو الكهربائي في سيارات الطرق: مثل C43 و C63 الجديدة.
أما بورشه فقد أذهلت الجميع بحلولها الذكية في سيارة 911 كاريرا GTS الهجينة، حيث تستخدم:
- شاحن توربيني كهربائي بقوة 14.7 حصان
- دون وجود أي صمام تصريف (wastegate)
- السيطرة على الضغط تتم عن طريق كبح التيربو الكهربائية، دون هدر أي طاقة عادم
وما يحدث من هنا؟ تلك الطاقة الحرارية تُستخدم لتوليد كهرباء إضافية، إما لتغذية التيربو، أو لتعزيز الدفع من محرك كهربائي إضافي خلفي بقوة 53.6 حصان.
مهندس من بورشه صرّح أنهم بهذه الطريقة تمكّنوا من:
– خفض حرارة غازات العادم
– تبريد الهواء الداخل
– تجنُّب الحاجة لإغناء الوقود بهدف تقليل حرارة الاحتراق (وهي ممارسة أصبحت ممنوعة مع أنظمة Euro 7).
والنتيجة؟ تحسين كفاءة الاحتراق والوقود وأداء السيارة كله.
—
ولكن هل هو الحل السحري؟
من المعروف أن التيربو الكهربائي ليس بسيطاً، لا في التصميم ولا في التكلفة. المحرك الكهربائي الصغير، نظام التحكم الذكي، وإدارة الحرارة… كلها أمور تضيف تعقيداً ووزناً للسيارة.
لهذا، بعض الشركات مثل ماكلارين لا تزال تستخدم أنظمة التيربو التقليدية في سياراتها الخارقة الجديدة، مثل W1. مهندسوها يرون أن هذه التكنولوجيا تحمل عبئاً وزناً إضافياً لا يبرّر نفسه في بعض الحالات. ويفضلون توجيه الطاقة الكهربائية لدفع العجلات الخلفية، بدلاً من التيربو.
—
أين نتجه؟
تبنّي الشركات الكبرى مثل مرسيدس، بورشه، وحتى فيراري للتيربو الكهربائي يشير إلى أن هذا الاتجاه ليس مجرد حماسة مؤقتة.
صحيح أن الفورمولا 1 قررت إيقاف استخدام MGU-H (وهو الاسم التقني للتيربو الكهربائي في السباقات)، لكن في المقابل، نرى سيارات الطرق تزداد اعتماداً على هذه التقنية لزيادة الكفاءة والاستفادة من كل جزيء طاقة.
في النهاية، روح التيربو الكهربائية تتمثل في فكرة واحدة بسيطة: “لا تدع الطاقة تذهب هدراً”. وما أجمل أن نرى هذا التفكير يترسّخ، حيث يلتقي الشغف بالسيارات مع الإبداع الهندسي، فيسفر عن قوة أكبر، انبعاثات أقل، وكفاءة غير مسبوقة.
—
الملخّص:
التيربو الكهربائي ليس مجرد تطوير صغير، بل هو ثورة في كيفية تعاملنا مع الطاقة المهدورة في المحركات. ورغم تحدياته، فإنه يشق طريقه بقوة في عالم الأداء العالي، والهندسة الذكية.